التصنيفات
المقالات القانونية مقالات في مجال الإعاقة

شرط سلامة الحواس في تولي القضاء 3

 

حسين خليل نظر حجي

 

 

09 نوفمبر 2013

 

انتهينا في المقالات السابقة من الشق القانوني، ولم يبق إلا الشق الشرعي، فما هو الواجب توافره في القاضي؟

الشروط الواجب توفرها في القاضي طبقاً للشريعة الإسلامية:

أولاً: البلوغ

لا يجوز تقليد الصبي القضاء، وإذا قلد فلا يصح قضاؤه ولا ينفذ، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بالاستعاذة من إمارة الصبيان، فقد روى الأمام أحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن إمارة الصبيان)، والتعوذ لا يكون إلا من شر، فيكون تقليد الصبيان فساداً في الأرض ومضارة، ولأنه لا ولاية للصبي على نفسه فلا تكون له ولاية على غيره بالقضاء ونحوه.

 

ثانياً: العقل

فلا يجوز تقليد المجنون أو المعتوه أو المختل، لنظر لكبر السن أو مرض، قياساً على الصبي بالأولى، وإذا قلد أحد هؤلاء فلا يصح قضاؤه ولا ينفذ، قال الماوردي في هذا الشرط: (وهو مجمع على اعتبار هو لا يلتقي فيه العقل الذي يتعلق به التكليف من عمله بالمدركات الضرورية حتى يكون صحيح التمييز، جيد الفطنة، بعيداً من السهو والغفلة، يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعطل).

 

ثالثاً: الحرية

والمراد كمالها، فلا يجوز تقليد من فيه شائبة والمدبر، فضلاً عن القن (وهو العبد الخالص)، وإذا قلد القضاء فلا يصح قضاؤه ولا ينفذ، وذلك لأن العبد ناقص عن ولاية نفسه، فمن باب أولى أن يكون ناقصاً عن ولاية غيره، كما أن العبد مشغول بحقوق سيده، فمنافعه كلها له.

 

رابعاً: الإسلام

وذلك لأن القضاء ولاية، ولا تجوز ولاية الكافر على المسلم، قال تعالى: “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً”، ثم إن القاضي يطبق أحكام الشريعة الإسلامية وهي دين، وتطبيق الدين يحتاج إلى إيمان به من قبل من يطبقه، وخوف من الله يمنعه من الحيدة عن التطبيق السليم لأحكامه، ولا يتأتى ذلك من غير المسلم الذي لا يؤمن بهذا الدين، بل حمله كفره بالإسلام على تعمد مخالفة أحكامه أو العبث بها. ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط الإسلام في من يتولى القضاء على المسلمين، أما تولية القضاء لغير المسلم على غير المسلمين، فقد منعها ولم يجزها جمهور الفقهاء، لأن شرط الإسلام عندهم شرط ضروري لا بد منه فيمن يتولى القضاء، سواء كان قضاؤه على المسلمين أو على غير المسلمين.

 

خامساً: الذكورة

وهي شرط عند جمهور الفقهاء، فلا يجوز عندهم تولية المرأة القضاء، وإذا وليت يأثم المولي، وتكون ولايتها باطلة وقضاؤها غير نافذ ولو فيما تقبل فيه شهادتها. وحجتهم الحديث النبوي الشريف: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

 

سادساً: العدالة

وهي معتبرة في كل ولاية عند جمهور الفقهاء، والمقصود بها أن يكون القاضي قائماً بالفرائض والأركان، صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفاً عند المحارم، متوقياً المآثم، بعيداً عن الريب، مستعمل المروءة، مثله في دينه ودنياه. لهذا لا تجوز ولاية الفاسق للقضاء، لأنه متهم في دينه، والقضاء أمانة من أعظم الأمانات.

 

سابعاً: الاجتهاد

وهو الأهلية لاستنباط الأحكام من مصادر التشريع، فالمجتهد هو من يعرف من القرآن والسنة ما يتعلق بالأحكام خاصة وعامة ومجملة ومبينة وناسخة ومنسوخة ومتواتر السنة وغيره، والمتصل والمرسل وحال الرواة قوة وضعفاً، ولسان العرب لغة ونحواً، وأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم، إجماعاً واختلافاً، والقياس بأنواعه.

 

ثامناً: سلامة الحواس

والمراد بها السمع والبصر والكلام، وهذا شرط جواز وصحة عند جمهور العلماء، فلا تجوز تولية الأصم، لأنه لا يسمع كلام الخصمين، ولا تجوز تولية الأعمى، لأنه لا يعرف المدعي من المدعى عليه، ولا المقر من المقر له، ولا الشاهد من المشهود له أو عليه، ولا تجوز تولية الأخرس، لأنه لا يمكنه النطق بالحكم، ولا يفهم جميع الناس إشارته، أما سلامة باقي الأعضاء فهي هنا إنما تعتبر استحباباً لا لزوما، لأن السلامة من الآفات أهيب لذوي الولاية، والهيبة هنا مستحبة لا مستحقة، ومن ثم فلا مانع من أن يكون القاضي مقعداً أو أقطع أو أعرج، ومثل هذا يقال في شأن ضعيف النطق أو السمع أو البصر لعدم فوات المقصود من ولاية القضاء.

وفي الختام أعتقد أننا وصلنا إلى أن في الشرع يشترط في القاضي سلامة حواسه بالشرح المذكور أعلاه، ومرجعي للآراء الفقهية موقع الإسلام اليوم.

 

وفي النهاية دمتم بخير، والسلام موصول للجميع.